رسالة من “كنف”  لحماية الصغار في الفضاء الإلكتروني

تشير التقارير إلى أن الأطفال باتوا يشكلون نسبة تفوق الثلث من مستخدمي الإنترنت حول العالم، وأنهم يقضون وقتاً أطول على الشبكات الرقمية ويبدؤون استخدامها في سن مبكرة مقارنة بالسنوات الماضية. هذا التحول يفتح المجال أمام مخاطر رقمية متخفية؛ فكلما ازداد حضور الطفل في الفضاء الرقمي من دون حماية أو توجيه، تضاعفت فرص تعرضه لمحاولات خداعٍ أو استدراجٍ تخرجه من بيئته الآمنة وتجعله عرضة لاعتداءات واستغلال بشتى الأشكال.

ومع ازدياد الوقت الذي يقضيه الأطفال على الأجهزة دون رقابة مباشرة، اصبحت المنصات الرقمية بيئة خصبة يستغل فيها المعتدون أدوات التخفي والتواصل السريع لاستدراج الأطفال وإيذائهم. تظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن واحداً من كل 13 طفلاً يتعرض لشكل من أشكال العنف الجنسي خلال طفولته.

وأمام هذه الظواهر المتنامية، يُشكّل اليوم العالمي لمنع ممارسات الاستغلال والانتهاك والعنف الجنسي ضد الأطفال والتعافي منها مناسبةً ضرورية للتذكير بمسؤوليتنا الجماعية في حماية الصغار، ليس فقط من العنف المباشر في البيئات المحيطة بهم، بل أيضاً من الاستغلال الرقمي الخفي الذي ينمو بصمت خلف الشاشات. فالتوعية، وتعزيز دور الأسرة، وتطوير مهارات الحماية الذاتية لدى الطفل باتت أدوات أساسية لضمان أن يكون الإنترنت مساحة آمنة للنمو والاكتشاف، لا مدخلاً لمخاطر تُهدد سلامته وحقوقه الأساسية.

“كنف” وشبكة الشراكات

وفي هذا السياق، تؤكد الأستاذة أمينه الرفاعي، مدير مركز كنف في الشارقة، أن الفضاء الرقمي أصبح اليوم ساحة مفتوحة للمعتدين الذين يستغلون سهولة الوصول للأطفال واستدراجهم والتغرير بهم. وتشير إلى أن غالبية الاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال تبدأ عبر الإنترنت، قبل أن تنتقل لاحقاً إلى الواقع، مشدّدةً على أن الجرائم الرقمية ليست افتراضية في آثارها، بل تترك ندوباً نفسية وجسدية حقيقية تستمر طويلاً إن لم تتم مواجهتها مبكراً وبحزم.

وأضافت الرفاعي: “يعمل مركز كنف لتعزيز منظومة الأمان الرقمي عبر برامج توعوية وقائية تركّز على تثقيف الأطفال والأسر وتمكينهم من مهارات الحماية الذاتية، وتطوير سلوك رقمي واعٍ يحصّن الطفل من محاولات الاستغلال والخداع.”

وتدعو الرفاعي الأسر والأقارب والمؤسسات التعليمية إلى تعزيز التواصل الدائم مع الأطفال حول تجاربهم الرقمية، ومراقبة أي تغيّر في السلوك قد يشير إلى تعرضهم للخطر. وتشدد على أهمية بناء الثقة التي تتيح للطفل الإفصاح عن أي موقف يثير قلقه دون خوف أو تردد، مؤكدة أن حماية الأطفال مسؤولية مشتركة تبدأ من البيت والمدرسة، وتتكامل مع الأدوار المؤسسية لضمان بيئة رقمية آمنة وداعمة لنموهم الصحي والمتوازن.

الوقاية بالمعرفة

وتكشف التقارير الدولية أن المتربصين عبر الإنترنت يلجأون إلى وسائل وطرُق خادعة ومتطورة لبناء علاقة ثقة مع الطفل تمهيداً لاستدراجه أو لاستغلاله لاحقاً في شكل من أشكال الإساءة. فالمعتدون كثيراً ما يبدؤون «بلقاء رقمي» يبدو بريئاً، عبر محادثات يومية، مشاركة اهتمامات (ألعاب، موسيقى، رياضات)، وهدايا افتراضية داخل الألعاب، ثم ينتقلون تدريجياً لطلبات خاصة (مشاركة صور أو محادثات سرية أو روابط تحميل)، أو يقترحون لقاءات خارجية بعد صقل علاقة زائفة من الثقة، هذا النمط يظهر بوضوح في التقارير التي رصدت تنامياً في أساليب الإيقاع بالأطفال وتحويل العلاقات الرقمية إلى أدوات ابتزاز واستغلال. وهو ما تؤكده تقارير «WeProtect Global Alliance» لعام 2023 والتي تبين ارتفاع حالات المحتوى المتعلق باستغلال الأطفال جنسياً بنسبة 87% منذ عام 2019.

ويبقى الفضاء الرقمي ساحة مفتوحة بلا الحدود، يختلط فيها التعلّم باللعب، ويجاور فيها الخطرُ البراءةَ بخطوة واحدة. وفي هذا الإطار، يواصل مركز كنف، بيت الطفل في الشارقة بناء منظومة استجابة متكاملة تستند إلى الوقاية أولاً عبر نشر الوعي وبناء منظومة من الشراكات التي تتحرك لحماية الطفل بشكل منظم وفعال.

Leave a Comment